القرية اللبنانية – شارل مالك

50630019_2408778425818954_5392248023273177088_o

فنان: Moussa M Trad

 

القرية اللبنانية تدمغ الطبع اللبناني وتميزه عن غيره. فلا يوجد مجتمع ريفي في الشرق الأوسط يشبه المجتمع القروي اللبناني، لا سيما في الجبال. في القرية اللبنانية فرح ومرح وسلام نفس وتواصل تراث. هنا الخلق الصلب المتين. هنا الزمن بألوف سنيه يصب خبرته ويختزنها، شهادة على أن الانسان في هذه الأرض اكتشف وقدر وحفظ. هنا الأعياد والاعراف تتلاحق بهدوء من مناسبة الى مناسبة، ومن فصل الى فصل، وموسم الى موسم. هنا « الكنكنة » العائلية الهنيئة. هنا العافية والعمر الطويل. هنا السلام والركون الى الاسباب الأولى البسيطة. هنا حتى الخطيئة مغفورة لأنها تصنع ببراءة، ولأن الانسان غير ماكر وغير معقد وغير متمرد في صنعها. لبنان، في الدرجة الأولى، بقريته. وهكذا فعندما يفكر العالم العارف، بلبنان، فمن أول ما يفكر به قريته الهادئة الهنيئة الوديعة الطافحة بشرا ً وفرحا ً وصحة ومتانة. والذي لا يعرف حياة القرية، بأصالتها وعمقها وزخورها، لا يعرف وجها ً أصليا ً خلاقا ً من أوجه لبنان. وأكاد أقول لا يعرف لبنان.

حياة القرية لا تفهم وتقدر الا بخلفية العيش والطبيعة. ابن القرية يعيش بالطبيعة وعليها، بقدر ما يعيش في مجتمع « مكنكن » صاخب بالقيم والأعراف الانسانية. فاذا جردت ابن القرية عن الطبيعة الملتحم بها، جردته عن نفسه. فلكي تفهم مميزات لبنان التي تجعل منه كيانا ً خاصا ً عليك أن تتذكر خلفيته الطبيعية والمعيشية.

تذكر الزيتونة والتينة والعريشة والسنديانة واللوزة والتوتة والزعرورة والزنزلختة والصنوبرة والارزة والخروبة والميسة.

تذكر الخوخة والليمونة والتفاحة والمشمشة والنجاصة والدراقة والقراصية والصبيرة.

تذكر الزعتر والزوباع والزعفران والكعلوك والجليبية والفريك واللوز الأخضر.

تذكر العليقة واللزيقة والطيونة والبلانة والشربينة.

تذكر الياسمينة والوردة والبنفسجة والنعنعة والفلة والقرنفلة.

تذكر الدابة والحمار والمهر والبغل.

تذكر الغنمة والمعزاية والبقرة والخروف والدجاجة والصيصان.

تذكر الزبيب والدبس والتين والمشمش والتين بسكر والقمح المغلي.

تذكر الكبة والمحشي والمجدرة واللوبية والباتنجان والبامية والرز والبرغل واللحم المشوي والقصبة والفروج بتوم.

تذكر اللبن واللبنة والجبنة بالضرف والزيتون والزعتر بزيت والبيض المقلي بالزيت مع البصل.

تذكر العرق والمازة.

تذكر البرق والرعد والثلج والبرد وزخة المطر وماروط الشتاء.

تذكر الشلهوبة والشرقية والشمس الحادة.

تذكر « نسم يا هوا الغربي الحنونة! »

تذكر خرير الوادي وخرير الشلال وضوء القمر عالبيادر وضوء القمر عالسطح والسيران عالساقية والكزدار عطريق العين.

تذكر السهرة ولعب الورق وكانون النار وشوي الكستنة وشوي البلوط.

تذكر الخيمة عالسطح والعرزال بالسنديانة وصياح الديك الباكر.

تذكر أجراس الكنائس تنقل دقها الفرح ودقها الحزين من ضيعة الى ضيعة عبر الهضاب والبطاح.

تذكر رائحة التراب اثر الشتوة الأولى.

هذه بعض الخلفيات الطبيعية والعيشية التي لولاها لما وجد خلق لبناني متين عنى شيئا ً للعالم، ولما كانت شكيمة لبنانية أنوفة لعبت دورا ً خلاقا ً متواضعا ً.

بالقرية وحياة القرية، اذا ً، يتميز لبنان تمييزا ً تاما ً عن غيره، وبدون القرية وحياتها لا يوجد لبنان.

 

Publicité

3 réflexions au sujet de “القرية اللبنانية – شارل مالك”

  1. Quel magnifique hommage au Liban et à la douceur d’y vivre. Quelle belle poésie aussi tissée de l’émotion, de la nostalgie, de la beauté, de l’amour de ces précieux instants, de ce rappel de la mémoire visuelle, olfactive… de tous ces petits riens qui peuplent tout, qui sont tout, qui imprègnent, impriment tout en soi… Souviens-toi, oui, souviens-toi… Une poésie très touchante et sublime de toutes ces images qui réveillent nos propres sens, nos propres souvenirs… Merci Audrey pour cette petite perle très émouvante, j’en ai eu la chair de poule.

    Aimé par 1 personne

Votre commentaire

Choisissez une méthode de connexion pour poster votre commentaire:

Logo WordPress.com

Vous commentez à l’aide de votre compte WordPress.com. Déconnexion /  Changer )

Photo Facebook

Vous commentez à l’aide de votre compte Facebook. Déconnexion /  Changer )

Connexion à %s